وروي عن ابن عمر عن عمر مثله. إلى كل هذه الأخبار ذهب أصحابنا رحمهم اللَّه، ويقولون: لا يجتمع على رجل في فعل واحد حدَّان: الجلد والرجم جميعًا؛ كما لا يجتمع في غيره من الإجرام في فعل واحد حدَّان أو عقوبتان.
وقوله - عليه السلام -: " الثيب بالثيب: يجلد ويرجم " يحتمل الجلد جلد البكر المحصن، ويرجم ثيبًا آخر محصنًا، أو يجلد ثيبًا في حال ويرجم ثيبًا في حال، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة النساء.
وقوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
في ظاهر الآية ألا يحل للزاني أن ينكح إلا الزانية من المؤمنات أو مشركة، وكذلك الزانية من المؤمنات لا ينكحها العفيف من المؤمنين؛ وإنما ينكحها الزاني منهم والمشرك.
وفي ظاهر الآية النهي للزاني عن نكاح العفائف، وإباحة نكاح الزانيات والمشركات؛ فإن كان ذلك، فكان قوله: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ)، إلا الزناة منكم؛ فإنه يحل لهم أن ينكحوا المشركات، وكذلك قوله: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ)، إلا الزانيات؛ فإنه يحل هذا ظاهرا، لكنهم أجمعوا على ألا يحل للمؤمن - وإن كان زانيًا - أن ينكح المشركة، وكذلك لا يحل للمشركة أن تتزوج بالزاني من أهل الإيمان.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويله:
قال مقاتل، ومُحَمَّد بن إسحاق، وهَؤُلَاءِ: الزاني من أهل الكتاب لا ينكح - أي: لا يتزوج - إلا زانية من أهل الكتاب، أو مشركة من غير أهل الكتاب، والزانية من أهل الكتاب: لا ينكحها إلا زان من أهل الكتاب أو مشرك من غير أهل الكتاب يزنين علانية.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - قال: نزلت الآية في نفر من أهل مكة هاجروا إلى المدينة وكانوا ذوي عسرة، وكان بالمدينة بغايا يبغين بأنفسهن ظاهرات بالفجور، وكن مخصبات أو مخاصيب البيوت، فهَمَّ أُولَئِكَ المهاجرون أن يتزوجوا بأُولَئِكَ البغايا؛ ليصيبوا من خصبهن وسعتهن، فذكروا ذلك لرسول اللَّه واستأذنوه في ذلك؛ فنزلت الآية في شأنهم: (الزَّانِي) من أهل القبلة المعلن به (لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً) من اليهود (أَوْ مُشْرِكَةً)