والرابع: لدفع التهمة عن الحاكم؛ لئلا يتهمه الناس أنه إنما أقام عليه الحد بلا سبب كان منه، ولا جرم.
فإن كان الأمر بشهود الطائفة عذابهما هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا: من انتشار الخبر، ودفع التهمة عنه، ومنع المجاوزة، فالطائفة تحتاج أن تكون جماعة؛ لأن الواحد غير كافٍ لذلك.
وإن كان الأول - وهو المحنة - فالواحد وما فوقه يكون يمتحن كلا في نفسه بحضور ذلك الحد؛ ليتألم به.
وقد ذكرنا أن بعض أهل العلم قالوا: إنه يجمع مع الرجم والجلد؛ واحتجوا بما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الثيب بالثيب: جلد مائة ورجم الحجارة، والبكر بالبكر: جلد مائة وتغريب عام ": فأما الجلد فلا خلاف في أنه حد البكر، وأما النفي فمما اختلفوا فيه: فمنهم من رآه واجبًا، ومنهم من رآه عقوبة لهم يضم إلى الحد.
ونحن قد ذكرنا المعنى في ذلك - إن ثبت - ما يغنينا عن تكراره، ونزيد -أيضًا- نكتة، وهي أن الحدود ذوو نهايات للمقدار وغايات، ولذلك سميت حدودًا؛ لأن لها نهاية وغاية، كما يقال: هذا حد فلان، وحد الدارين أنه منتهاها وآخرها، فلما لم يكن للنفي حد ينتهى الزاني إليه دل أنه ليس بحد؛ ولكن أراد به الوجوه التي ذكرنا، إما حبسًا كما يحبس الزاني حتى يحدث توبة، أو قطع الشَّين والذكر الذي يتحدث الناس به؛ لينسى ذلك ويترك، أو قطع الشهوات التي حملتهم على ذلك بذل السفر والغربة، أو أن كان ثم صار منسوخًا بما يشدد فيه الضرب، واللَّه أعلم.
وأما قول أصحابنا: يفهم أنه لم يكن الجلد عن الثيب إذا كان محصنًا؛ بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: " اغد يا أُنيسُ على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها "، ولم يذكر جلدًا.
وذهبوا أيضًا إلى أن حديث ماعز بن مالك، لما رجمه النبي - عليه السلام - باعترافه، ولم يذكر جلدًا، وروي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال له - لما اعترف ثلاثًا -: " لو اعترفت في المرة الرابعة لرجمك "، ولم يقل: جلدك: علم أنه ينفي الرجم الجلد. وما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر برجم امرأة زنت، ولم يجلدها.