في البلدان ما يساق إلى أهلها وهم في مقامهم وأمكنتهم، ومن الأرزاق ما يساق أهلها إليها ما لو لم يأتوها لم يسق ذلك إليهم، فجائز ما ذكر من المنافع: هو ما غاب عنهم من المنافع والأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة إذا خرجوا للحج نالوها، وإذا لم يخرجوا له لم ينالوا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) أي: متاجرهم وقضاء مناسكهم.
وقوله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) اختلف فيه:
قال الحسن: هو يوم النحر خاصة. وجائز إضافة الواحد إلى الجماعة، كقوله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا)، وإنما جعل في السماء الدنيا، وكما يقال: (توارى فلان في دور بني تميم)، وإنما توارى في دار من دورهم، ومثل هذا كثير، وذلك جائز في اللسان.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الأيام المعلومات: هو يوم النحر ويومان بعده.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: المعلومات والمعدودات هي أيام التشريق جميعًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الأيام المعلومات: هي أيام العشر؛ لأنها هي أيام الذكر فيها.
وجائز أن يكون قوله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) كناية عن الذبح، وأيام الذبح ثلاثة: يوم النحر ويومان بعده؛ ألا ترى أنه قال: (عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا) ذكر الأكل ولم يذكر الذبح، فذلك يدل على أن قوله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) كناية عن الذبح، وإنما كان كناية عنه؛ لأنه بالذكر يقدم الذبائح ولا يخلو منه دونه، والله أعلم.
وقوله: (فَكُلُوا مِنْهَا):
قَالَ بَعْضُهُمْ: من الأضاحي؛ لأن التناول من الأضاحي كان لا يحل فخرج ذلك مخرج رخصة التناول منها والحل، لكن الأضاحي لا يحتمل؛ لأن الوقت ليس هو وقت الأضاحي ولا أماكنها، إنما هو وقت دم المتعة والقران ودم التطوع. وفيه إباحة التناول من دم المتعة والقِران.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ): قَالَ بَعْضُهُمْ: البائس: من البؤس وهو ما اشتد به من الحاجة والشدة.