وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أضاف الإتيان إلى الدواب؛ لأنه بالدواب يأتون، فأضاف إليها لذلك، واللَّه أعلم.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا)، من الحلي من الذهب والفضة، تقول: حليت المرأة، أي: اتخذت حليا، ويقال: حلى الشيء يحلى حلًى؛ إذا حسن، ويقال: بعينه إذا حسن في عينه، ويقال: حلى الشيء يحلو حلاوة فهو حلو، ويقال: تحليت، إن شئت جعلته أكلت حلاوته، وإن شئت جعلته من الحلي، ويقال: حلأت الإبل عن الماء، أي: منعت، ويقال: حليت الشيء وأحليته، أي: جعلته حلوًا.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) أي: المقيم، والبادي - وهو الطارئ من البدو - سواء فيه ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه.
(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) أي: من يرد فيه إلحادا، وهو الظلم والميل عن الحق، فزيدت الباء، كما يقال: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)، وهو ما ذكرنا.
وقوله: (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)، أي: ركبانا على ضمر من طول السفر (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي: بعيد غامض.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (الْعَاكِفُ): المقيم، (وَالْبَادِ): من كان في البادية، والإلحاد: الميل عن الحق، ومنه اشتق اللحد، لحد القبر.
(وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)، أي: على كل بعير ضامر، أي: خميص البطن.
(يَأْتُوكَ رِجَالًا) تقول: رجل الرجل يرجل رجلة، فهو راجل، والفج: الطريق، والعميق: البعيد، يقال: عمق، أي: بعد، يعمق عمقا، فهو عميق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) قال الحسن: يشهدون مشاهد فيه، فيذكرون اللَّه فيها ويكتسبون أشياء تنفع لهم في الآخرة، فذلك منافع لهم التي يشهدونها.
وقال غيره من أهل التأويل: (مَنَافِعَ لَهُمْ): التجارات والمنافع التي كانوا يكتسبونها إذا خرجوا للحج.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: التجارة في الدُّنيَا، والأجر في الآخرة، وهو مثل الأول.
وجائز أن يكون قوله: (لِيَشَهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ): الأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة ما لو لم يشهدوها لم يسق اللَّه ذلك إليهم؛ لأن من الأرزاق التي جعلت لهم