وهو كقوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ. . .) الآية؛ هم لم يقروا أنهم يحيون بعدما ماتوا، ولكن لما عرفوا أنهم كانوا أمواتا فأحياهم، فقد لزمهم الإقرار والحجة بالإحياء بعد الموت؛ فعلى ذلك الأول كأنهم أقروا بأنهم واردون بما لزمتهم الحجة.
وقوله: (وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ) ظاهر.
وقوله: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)
قيل: الزفير: هو الصوت الخفيض الذي فيه أنين، والشهيق: هو الصوت الرفيع الذي فيه أنين.
وقيل: الشهيق: أول نهيق الحمار، والزفير: هو آخر نهيقه.
وقوله: (وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ) قيل: لا يسمعون الخير، ويسمعون غيره.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يسمعون؛ لأنهم يكونون صمًّا بكمًا عميًا، وهو كقوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا).
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ): حرام عليهم أن يرجعوا، ويقال: واجب، وقال: هو حِرْمٌ وحَرَامٌ: واحدٌ، كما يقال: حِل وحلال.
وقال: (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ): ومن كل نشز من الأرض وأكمة (يَنْسِلُونَ) من النسلان، وهو مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الحدب: ما ارتفع من الأرض، الواحد: حدبة (يَنْسِلُونَ) أي: يجيئون.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى).
قال عامة أهل التأويل: إنه لما نزل قوله: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ