واللسان باستعمالهم هذه الجوارح في المعصية على قيامها؛ لما ذهبت منافعها في الطاعة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) في عذاب القبر، لكن لا يقال لمن في القبر: إن له معيشة ضنكا حتى يوصف بالضيق، وعذاب القبر سبيل معرفته السمع، فإن ثبت السمع وإلا فالترك أولى.
وقال قائلون: ذلك في الآخرة - واللَّه أعلم - كقوله: (مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
قَالَ بَعْضُهُمْ: نحشره أعمى عن حججه في دينه، لكن متى كانت له الحجج في الدنيا حتى يعمى عنها في الآخرة؟!
وقَالَ بَعْضُهُمْ: نحشره يوم القيامة أعمى: عمى الحقيقة؛ كقوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا)، فهو على حقيقة عمى البصر، وهو أشبه، واللَّه أعلم.
وقال مجاهد: قوله: (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى (125) قال: بلا حجة لي، (وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا) في الدنيا لكن الأشبه هو ما ذكرنا من حقيقة ذهاب البصر؛ إذ لم يكن للكافر حجة في الدنيا حتى يقول: (وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا).
ثم اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك بعد ما حوسبوا وسيقوا إلى النار - نعوذ باللَّه من النار - فعند ذلك يعمى عليه البصر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا ولكن يبعثون من قبورهم ويحشرون عميانًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)
أي: كما أتتك آياتنا فصيرتها كالشيء المنسي، لم تكترث إليها ولم تنظر فيها ولم ترغب فيها، كذلك تصير في النار كالشيء المنسي عن رحمته، لا يكترث إليك ولا ينظر إليك.
أو أن يقول: كما ضيعت آياتنا التي أتتك لنجاتك كذلك تضيع أنت وتترك في النار لا