فكيف من دونهم؛ فيكون إضافته إياهم إلى نفسه؛ لعظم قدر أُولَئِكَ وفضل منزلتهم كقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، واللَّه لا يُنصر، ولكن إن تنصروا دين الله ينصركم، أو إن تنصروا أولياء اللَّه ينصركم، وكذلك قوله: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ) واللَّه لا يخادَع، ولكن يخادعون أولياءه ونحوه؛ فعلى ذلك قوله: (أخفيها من نفسي): أي: من خواصي وأخيار عبادي، واللَّه أعلم.
هذا على إسقاط قوله: (أَكَادُ) وجعله صلة، وأما على إثبات (أَكَادُ) فهو على وجهين.
أحدهما: يقال: كاد: أراد، أي: أريد أخفيها، وهو معروف باللّغة.
والثاني: كاد، يقال: قارب، وهو سائغ في اللغة، جارٍ (كاد) على إرادة مقاربة: كادت الشمس أن تطلع، أو تغرب، أي: قاربت وكدت أن أسقط، أي: قاربت، وإلا لا يريد السقوط، إذا كان على هذا فهو قال ذلك - واللَّه أعلم - على التعظيم لها، أي: قارب أن يخفيها من نفسه فكيف من غيره؟!.
وقال ابن عَبَّاسٍ قريبًا من هذا، أي: (أكاد أخفيها من نفسي) فكيف أعلنها لكم؟! أي: لا أظهر عليها أبدًا غيري، فكأنه استجاز الإخفاء في موضع الإظهار باللغة، نحو ما قالوا في قوله: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) أي: أظهروا، فعلى ما كان الإسرار في موضع الإظهار والكتمان، فعلى ذلك رأوا الإخفاء مستعملًا في الأمرين جميعًا، وكذلك قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (أُخفِيهَا)، أي: أظهرها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)، أي: لهذا ما أخفيها (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)؛ لأنها لو كانت ظاهرة يعاينها كل أحد، ويعلمها، لما كان ذلك جزاء، ولكن كان دفعًا؛ لأنه يعاين كل إنسان ما نزل بهذه النفس بما سعت من العذاب فيمتنع هو عنه، وإذا رأى كل أحد ثواب هذا بسعيه يرغب في مثله؛ فيكون ذلك كله بحق الدفع، لا بحق الجزاء، فأخبر أنه أخفاها؛ للجزاء والمحنة، لا للدفع، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) أي: عن الإيمان بها (مَن لا يُؤمِنُ بِهَا) يعني: الساعة، واللَّه أعلم.
لا يصدنك عنها بأسباب ألقاها إليك، وقد يمتنع الإنسان عن الشيء بأسباب تعترض وشبه تستقبل، وإن لم يقدر على منعه بالتصريح والإفصاح، واللَّه أعلم، أي: لا يصدنك