وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَا تُرْهِقْنِي)، أي: لا تغشني عسرًا.
وقوله: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
يحتمل هذا الكلام -أيضًا- وجهين:
على الإنكار، والرد عليه.
والثاني: على الاستفهام والسؤال على ما ذكرنا في الأول: أقتلت نفسًا زاكية بغير نفس؟ أو بحق؟ أو لماذا؟
أو على الإنكار والرد على ما رأى في الظاهر قتل نفس ولم يعرف الوجه الذي به يجب القتل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا).
هو على ما ذكرنا على الإنكار ظاهر، وعلى الاستفهام والسؤال على الإضمار: أقتلت نفسًا زاكية بغير نفس فلئن فعلت لقد جئث شيئًا نكرًا، أي: منكرا:
ثم اختلف في قوله: (نُكْرًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (نُكْرًا): أكبر من قوله: (إمْرًا) لأن فيه مباشرة القتل وإهلاك النفس بغير نفس؛ فهو أكبر وليس في نفس الخرق إهلاك، وإنما هو سبب الإهلاك، وقد يجوز ألا يهلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إمْرًا) أكبر من قوله: (نُكْرًا)؛ لأن فيه إهلاك جماعة، وهاهنا إهلاك واحد، فهو دون الأول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)
ما ذكرنا في الأول.
وقوله: (قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
في ترك المصاحبة عذر؛ لما قلت لي: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، ولم أصبر.
وقوله: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
سمى: قرية، وهي كانت مدينة؛ ألا ترى أنه قال في آخره: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ)؛ دل أنها كانت مدينة، والعرب قد تسمي المدينة: قرية.
وقوله: (اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ).
قال الحسن: كان ذلك ألجدار بهيئة عند الناظر أنه يسقط.
وقال أبو بكر الأصم: (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) الإرادة: صفة كل فاعل له حقيقة الفعل، أو