بنى.
فَإِنْ قِيلَ: كيف قال له موسى: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا)، وبعد لم يعلم أن ذلك الخرق مغرق أهلها، وقد يجوز أن يكون غير مغرق؟!
قيل: إنما أخبر عما يئول الأمر في العاقبة، والظاهر من الخرق أن يغرق في الآخرة، وهو كما ذكرنا من أمر البناء والزرع: بنيت لتخرب، وزرعت لتفسد، وإن لم يكن بناؤه وزراعته لذلك، فعلى ذلك قول موسى لصاحبه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
هذه الآية أترد، على المعتزلة؛ لأنه قال له: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا): دل أنه كان يحتاج إلى استطاعة تقارن الفعل لا تتقدم الفعل فيكون بها الفعل، وإلا قد كانت له أسباب لو لم يؤثر غيرها لاستطاع الصبر معه؛ دل أن استطاعة الفعل لا تتقدم على الفعل، ولكن تقارنه.
وقال الحسن: إنما يقال هذا؛ للاستثقال كما يقول الرجل لآخر: لا أستطيع أن أنظر إليك بغضا، وهو ناظر إليه، لكن يقال ذلك على الاستثقال والبغض ليس على حقيقة نفي الاستطاعة؛ فعلى ذلك الأول، فيقال له هو كما يقال: لا أستطيع أن أنظر إليك نظر الرحمة، فهو وإن كان ناظرًا إليه لما ذكر - فهو غير ناظر إليه نظر رحمة وشفقة؛ فهما سواء وهو ما يقوله، واللَّه أعلم.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ... (73)
يحتمل هذا الكلام وجوهًا:
أحدها: على التعريض من الكلام، أي: لا تؤاخذني بما لو نسيت؛ كقول إبراهيم حيث قال: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي. .)، ونحوه، أي: سأسقم.
والثاني: على حقيقة النسيان؛ نسي قوله: (فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) بعدها؛ لما رأى من المناكير في الظاهر، وهكذا كانت عادة الأنبياء أنهم إذا رأوا منكرا لا يملكون أنفسهم حزنًا وغضبا على ما رأوا فلا ينكر أن يكون نسي ما قال له.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: على التضييع والترك، فهو يخرج على الأول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا تكلفني من أمري ما يعسر عليَّ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الإرهاق: هو الشدة والتعب.