أو ذكر فعله؛ لما له في تقلبهم صنع وفعل، واللَّه أعلم.
وقوله: (ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) وإذ لا يفهم من ذات الشيء غير ذلك الشيء أو شيء آخر سواه؛ لأنه ذكر ذات اليمين فهو اليمين والشمال نفسه لا غير؛ فعلى ذلك في قولنا: عالم بذاته، لا يفهم غير علمه، أي: عالم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: الوصيد: هو فناء الباب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الوصيد: هو عتبة الباب.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: الوصيد: الفناء، ويقال: عتبة الباب، وهذا أعجب إِلَيَّ؛ لأنهم يقولون: أوصد بابك، أي: أغلقه. ومنها (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) أي مطبقة، وأصله: أن تلصق الباب إلى العتبة إذا أغلقته.
فإن كان الوصيد هو عتبة الباب، ففيه أن الكلب كان داخل باب الغار، وإن كان الفناء ففيه أنه كان خارج باب الغار، وفيه أيضًا أنه أبقى الكلب ثلاثمائة سنة على ما أبقاهم، وإن لم يكن من جوهرهم بلطفه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا).
قال بعض أهل التأويل: وذلك أن شعورهم قد طالت وأظفارهم قد امتدت وعظمت، فكانوا بحال يرغب عنهم ويهاب.
لكن هذا لا يحتمل؛ لأنهم قالوا: (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فلو كانوا على الحال التي ذكروا من تطاول الشعور وامتداد الأظفار وتغير أحوالهم، لم يكونوا ليقولوا: (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)؛ إذ لو نظروا في أنفسهم من تغير الأحوال، لعرفوا أنهم لم يلبثوا ما ذكروا من الوقت؛ دل ذلك أن ذلك الخوف والهيبة لا لذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لأنهم كانوا في مكان الريبة فيما لا يؤوي إلى مثله إلا لخوف ريبة أو طلب ريبة لا يأويه إلا لهذين: هارب من شر، أو طالب شر على آخر؛ على ما ذكرنا: أن من أقام في مهاب ومكان مخوف يهاب منه ويخاف.