وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ) أي: يبوئ لكم؛ كقوله: (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) أي: تهيئ، (وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) الرشيد: الصالح.
وقال مقاتل: (رَشَدًا)، أي: مخرجا.
(وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا): قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: غذاء تأكلونه، وهو ما ذكرنا كل ما يترفق به، ويقال: مخرجا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
قَالَ بَعْضُهُمْ: لأنهم كانوا مفتحي الأعين والأبصار كاليقظان.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: وتحسبهم أيقاظا؛ لأنهم كانوا يتقلبون في رقودهم اليمين والشمال كما يتقلب اليقظان يمينا وشمالا.
وقال بعض أهل التأويل: إنما كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، ليدفع عنهم أذى الأرض وضررها؛ لئلا يفسدوا ولا يتلاشوا، وإن كان اللَّه قادرًا أن يدفع عنهم الأذى وضرر الأرض لا بتقليب من جانب إلى جانب وإن كان ذلك مما يفعله من لا يملك دفع الأذى إلا بما ذكرنا، فأما من كان قادرًا بذاته مستغنيا عن الأسباب التي بها يدفع فغير محتمل.
وهو: على التعليم منه إياهم: أن كيف يتقى الأذى؟ وكيف يدفع الضرر؟ فإذا لم يكن بمشهد من الخلق فلا معنى له.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)؛ لأنهم كانوا في مكان الريبة واللصوص مما لا يأوي إليه إلا هارب من ريبة وشر أو قاصد ريبة وطالب عثرة ومكابرة لم يكونوا في مكان يسلم فيه ويرقد ولا يختار للنوم مثله، فقال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) ولما كانوا في مكان لا ينام فيه للخوف، كأنهم أيقاظ وهم رقود، واللَّه أعلم.
ولكن لا ندري لأي معنى ذكر أنه يحسب الناظر إليهم كأنهم أيقاظ وهم رقود؟ وإذا لم يبين اللَّه ذلك فلا نفسر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) هو ما ذكرنا أنهم: قد يتقلبون في نومهم من جانب إلى جانب، وذكر التقليب جائز أن يكون؛ لما ذكر بعضهم من دفع أذى الأرض وضررها.