ذكر هذا - واللَّه أعلم - لأن العرب كانت لا تعرف الرسل والكتب المنزلة من السماء ولا يؤمنون بهما، وكانت لا تعرف ذكر الرحمن ولا التسمية به وكذلك غيره من الأسماء، لما لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بألسن الرسل والأنبياء، وإما بالكتب المنزلة من السماء، فإذا لم يؤمنوا بالرسل، ولا عرفوا الكتب، حملهم ذلك على الإنكار والجحود لأسمائه، ولذلك قالوا: (وَمَا الرَّحْمَنُ)، وقوله: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ) أي: يكفرون بذكر الرحمن واسمه؛ لما ذكرنا.
أو أن يكونوا أنكروا اسم الرحمن؛ لما لم يعرفوا أنه مأخوذ من الرحمة، ولو عرفوا: أنه من الرحمة ما أنكروا؛ على ما لم ينكروا " الرَّحِيم "؛ لأنهم عرفوا أن الرحيم مأخوذ من الرحمة، وأما اللَّه فهم يسمون كل معبود إلها، وعلى ذلك سموا الأصنام التي كانوا يعبدونها: آلهة، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) و (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، فيسمون اللَّه لما هو المعبود عندهم، ورجعت عبادتهم الأصنام إلى اللَّه؛ حيث زعموا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، كانوا يطلبون بعبادتهم الأصنام القربة إلى اللَّه؛ لذلك أنكروا غيره من الأسماء؛ على أن العرب لم ينكروا لشيء واحد اسمين وأكثر، وعرفوا أن اختلاف الأسماء، وكثرتها لا يوجب اختلاف المسمى بها، ولا يوجب عددا منه، وأن ما قالوا: إنه كان يدعو حتى الآن إلى عبادة واحد، فالساعة يدعو إلى عبادة اثنين وأكثر، إنما قالوا على التعنت والعناد، وإلا قد عرفوا لشيء واحد اسمين وأكثر، لكنهم أنكروا لله ذلك؛ لما ذكرنا؛ تعنتًا منهم، وعنادًا، على هذا يجوز أن - تتأول الآية - واللَّه أعلم.
ثم اختلف في تخصيص ذكره بهذين الاسمين:
قَالَ بَعْضُهُمْ: وجه تخصيصهما؛ لأنهما اسمان مخصوصان له، لا يجوز أن يسمى غيره بهذين الاسمين، وأما غيرهما من الأسماء فإنه يجوز أن يسمى غيره بها.
وقال الحسن: خُصَّ بذكرهما؛ لأنهما اسمان معظمان عند الخلق ما لم يجعل لغيرهما من الأسماء من التعظيم ما جعل لهذين.
وقال أبو بكر الأصم: خص بذكر هذين؛ لأن غيرهما من الأسماء أسماء أخذت عن صفاته، وأما هذان فهما ليسا أخذًا عن صفته.