(63)

(64)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)

هذا لا يحتمل أن يكون هذا القسم منه ابتداء؛ ولكن كأنه عن إنكار كان منهم للرسالة، فعند ذلك أقسم بقوله: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) وأكد بما أنكروا الرسالة بالقسم الذي ذكر، فقال: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا مُحَمَّد.

قوله: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) كما أرسلناك إلى أمتك (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) كما زين لأمتك فهو كان وليهم يومئذ كما هو ولي لأمتك اليوم، يصبّره.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) يقول ليس هَؤُلَاءِ بأول من زين لهم الشيطان أعمالهم، ولكن كان في الأمم الماضية من زين لهم الشيطان أعمالهم فيكذبون رسلهم، فلست أنت بأول مكذب، بل كان لك شركاء في التكذيب (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هو وليهم اليوم، في الدنيا؛ لأن الدنيا هي دار الولاية بينهم، كقوله: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، وقوله: (أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ)، وأمّا في الآخرة فيصيرون أعداء، كقوله: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) وقوله: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ. . .) الآية وقوله: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ)، ونحوه، ولا يحتمل أن يكونوا أولياء في الآخرة ثم يلعن بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض، فذلك علامة العداوة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) في الآخرة، أي: أولى بهم فيقرن بهم، كقوله: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)، فهو وليهم: أي: صاحبهم، كقوله: (احْشُرُوا. . .) الآية، وكقوله: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ). وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)

قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ): الكتب التي كانت من قبلهم؛ لأنهم اختلفوا في كتبهم، فمنهم من بدَّل، ومنهم من غير وحرَّف، فيقول - واللَّه أعلم -: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي: في كتبهم؛ لأن هذا الكتاب أنزله مصدقًا لما بين يديه من الكتاب، يبين هذا الكتاب ما اختلفوا في كتابهم، الحق من الباطل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015