وقوله تعالى: (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: كذلك فعل المعاندون، والمكابرون، الذين كانوا من قبل برسلهم؛ من التكذيب لهم، والعناد، وتركهم الإيمان إلى الوقت الذي ذكر، كما فعل قومك من التكذيب لك يا مُحَمَّد والعناد.
ويحتمل كذلك فعل الذين من قبلهم؛ أي: هكذا أنزل العذاب بمن كان قبل قومك بتكذيبهم الرسل والعناد معهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا ظلَمَهُمُ اللَّهُ) بما عذبهم (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث وضعوا أنفسهم في غير موضعها الذي وضعها اللَّه، وحيث صرفوها عن عبادة من نفعهم، وأنعم عليهم، واستحق ذلك عليهم إلى من لا يملك نفعًا ولا ضرًّا، ولا يستحق العبادة بحال، فهم ظلموا أنفسهم؛ حيث صرفوها عن الحكمة إلى غير الحكمة لا اللَّه؛ إذ الله وضعها؛ حيث توجب الحكمة ذلك، والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، فهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها، فأما الله تعالى فقد وضعها في المواضع التي توجب الحكمة وضعها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ).
كأنه قال: ما ينتظرون للإيمان بعد الحجج السمعيات، وبعد الحجج العقليات، والحجج الحسيات إلا نزول الملائكة بالعذاب من اللَّه تعالى عليهم؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد أقام عليهم الحجج السمعيات والعقليات والحسيات، فلم يؤمنوا به ولم يصدقوه، فيقول: إنهم ما ينتظرون إلا الحجج التي تقهرهم وتضطرهم، فعند ذلك يؤمنون؛ وهو ما ذكر من نزول العذاب بهم.
أو يقول: ما ينظرون بإيمانهم إلا الوقت الذي لا ينفعهم إيمانهم، وهو الوقت الذي تخرج أنفسهم من أيديهم؛ فأخبر أن إيمانهم لا ينفعهم في ذلك، وهو ما قال: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ. . .) الآية.