وهو بعضٌ سحرًا كان أو غيره.
(وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) أي: سر من ورائهم، وهكذا الواجب على كل مولى أمر جيشٍ أن يتبع أثرهم، أو يأمر من يتبع أثرهم؛ ليلحق بهم من تخلف منهم، ويحمل المنقطع منهم؛ وليكون ذلك أحفظ لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ (وَلَا يَلْتَفِتْ) أي: لا يتخلف منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون.
وقال في آية أخرى: (وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ).
فإنها تتخلف عنكم؛ فيصيبها ما أصاب أُولَئِكَ، هذا يدل أن ليس في تقديم الكلام وتأخيره منع، ولا في تغيير اللسان ولفظه بعد أن يؤدي المعنى خطر؛ لأن قصة لوط وغيرها من القصص ذكرت وكررت على الزيادة والنقصان، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان، فدل أن اخلاف ذلك لا يوجب تغييرًا في المعنى، ولا بأس بذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: (وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ): أي: لا ينظر أحد وراءه، فهو - واللَّه أعلم - لما لعلهم إذا نظروا وراءهم فرأوا ما حلّ بهم: من تقليب الأرض وإرسالها عليهم - لا تحتمل بنيتهم وقلوبهم؛ فيهلكون أو يصعقون، ألا ترى أن موسى مع قوته لم يحتمل اندكاك الجبل، ولكن صعق؛ فصار مدهوشا في ذلك الوقت، فهَؤُلَاءِ أضعف، وما حلّ بقومهم أشد فَبِنْيَتُهُم أحرى ألا تتحمل ذلك. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) قوله: (وَقَضَيْنَا) قيل: أوحينا إليه، كقوله: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ): أي: أوحينا إليهم، وقال بعضهم: قوله: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ) أي: أنهينا إليه وأعلمناه، وهو قول الكسائي والْقُتَبِيّ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ الْأَمْرَ).
يحتمل قوله: ذلك الأمر هو ما ذكر: أن دابر هَؤُلَاءِ مقطوع مصبحين، هذا الذي