أي: إنكم قوم منكرون؛ لا تعرفون بأهل هذه البلدة، وإنما قال لهم هذا؛ لأن قومه إنما يعملون ما يعملون بالغرباء؛ لا يعملون بأهل البلد؛ ألا ترى أنهم قالوا له: (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ)، أن تضيف أحدًا منهم. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)
هذا ليس بجواب لما سبق من قوله: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)، ولكن قالوا ذلك له، واللَّه أعلم بعدما كان بين لوط وقومه مجادلات ومخاصمات من ذلك قوله: (إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ)، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ)، وغير ذلك من المخاصمات.
وقد كان لوط يعدهم العذاب بصنيعهم الذي كانوا يصنعون؛ ولذلك قالوا له: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)؛ فعند ذلك قالوا:
(بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: بما كانوا فيه يشكون؛ بما كان يعدهم من العذاب. وقَالَ بَعْضُهُمْ: (بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي: بما كانوا، يجادلون وينازعون، أو يقول: بل جئناك بجزاء ما كانوا يمترون.
ثم امتراؤهم، يحتمل مجادلتهم إياه، ويحتمل ما كانوا عليه من الريبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ): أي: بنجاتك؛ ونجاة أهلك وإهلاك قومك. وقال بعضهم: (وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ): أي: بالعذاب الذي كنت تعدهم.
(وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) فيما نقول، يحتمل هذا: أن لم يكن هذا منهم قولا قالوه؛ لأن لوطًا يعلم أنهم صادقون فيما يقولون؛ حيث علم أنهم ملائكة اللَّه، لكن أخبر عنهم على ما كانوا عليه، على غير قول كان منهم. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)
أي: ببعض من الليل. وقَالَ بَعْضُهُمْ بسحر؛ على ما قال: (نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ)