يمنعهم عن الإجابة له، والانقياد له، والنظر في الآيات والحجج.
والثالث: يطمعون هلاك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ويتمنون ذلك، وانقطاع ملكه، وأمره، والعود إليهم، فذلك الذي كان منعهم.
وفي حرف حفصة: (ذَرْهُم يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ).
وقوله: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا. . .) الآية في قومٍ علم اللَّه أنهم لا يؤمنون، آيس رسوله عن إيمانهم؛ وهو كقوله: (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)
قال الحسن: وما أهلكنا من أهل قرية إهلاك تعذيب؛ إلا وقد أرسلنا إليهم رسلا بكتاب معلوم، نتلو ذلك الكتاب المعلوم عليهم، فإذا كذبوهم وأيسوا من إيمانهم؛ فعند ذلك يهلكون هلاك تعذيب، وهو ما قال: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا)، فعلى ذلك الأول.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) يقول: كتاب فيه أجل معلوم مؤقت لها؛ على هذا التأويل؛ كأنه قد خرج جوابًا لقول كان من أُولَئِكَ الكفرة من استعجالهم الإهلاك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)
أي: ما تسبق أمة عن أجلها الذي جعل اللَّه لها بالإهلاك، وما تستأخر عنه، وهو ما قال: (لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) أي: ما يستأخرون ساعة عن الوقت الذي جعل لهم ولا يستقدمون.
فهذا ينقض على المعتزلة قولهم؛ حيث قالوا: إن اللَّه يجعل لخلقه آجالا، ثم يجيء آخر فيقتله قبل الأجل الذي جعله له، واللَّه يقول: (لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وقال: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ)، يخبر أنه لجاءهم العذاب؛ لولا ما جعل من أجل مسمى؛ قد وعد جل وعلا أن يفي بما وعد؛ من البلوغ إلى الأجل الذي سمى.