ْيكذبون في الآخرة، ويكون لهم لجاجة على ما كان منهم في الدنيا، أو يحتجون فيقولون: إن إبليس هو كان غلبنا وقهرنا؛ لأنه كان يرانا ونحن لم نكن نراه؛ فالمغلوب المقهور غير مأخوذ بما كان منه في حكمك، يحتجون بمثل هذه الخرافات واللجاجات، ويقولون: هو الذي أضلنا، فيقوم عند ذلك إبليس خطيبًا بينهم وقال: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ) حتى أقهركم وأغلبكم إلا الدعاء؛ فاستجبتم لي طائعين؛ غير مقهورين ولا مضطرين واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ).
يشبه أن يكون وعده ما وعد على ألسن الرسل: أن البعث، والجنة، والنار، والحساب، والعذاب - كائن لا محالة. أو جميع ما أوعد من مواعيده - فذلك كله حق أي: كائن لا محالة.
(وَوَعَدْتُكُمْ).
يحتمل ما ذكر؛ حيث قال: (لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ)، وأمثاله من عِدَاته؛ كانت كلها أماني وغرورًا وكذبًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ) يحتمل السلطان وجهين:
أحدهما: أي ما كان لي عليكم من ملك وقهر وغلبة أقهركم وأغلب عليكم إلا الدعاء؛ فاستجبتم لي طوعًا. ويحتمل قوله: (مِنْ سُلْطَانٍ): من حجة وبرهان؛ أي: لم يكن لي حجة وبرهان على ما دعوتكم إليه؛ إنما كان لي دعاء ووساوس، وكان مع الرسل حجج وبراهين، فتركتم إجابتهم؛ واستجبتم لي بلا حجة وبرهان؛ أي: لم أقهركم، ولم أغلب عليكم؛ لكن هذا لا يصح؛ لأنه لو كان له عليهم سلطان القهر والغلبة لكانوا معذورين غير معذبين؛ لأن المقهور والمغلوب مضطر؛ فالمضطر معذور؛ ولكن السلطان هو الحجة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ).
ليس مراده - لعنه اللَّه - أنه لا يلام؛ ولكن مراده: أن ارجعوا إلى لائمة أنفسكم واشتغلوا بها؛ فإن ذلك كان منكم لم يكن مني إلا الدعاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ).
قيل: ما أنا بناصركم وما أنتم بناصري، وقيل: ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثين