(22)

هدى لهديناكم؛ فهذا صرف ظاهر الآية عن وجهها بلا دليل؛ فلو جاز له هذا جاز لغيره صرف جميع الآيات عن ظاهرها بلا دليل مع أن الأتباع؛ قد علموا أن الذي كانوا عليه لم يكن هدى؛ فلا معنى لهذا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ).

قال أهل التأويل: إنهم قالوا فيما بينهم: تعالوا حتى نجزع لعل اللَّه يرحمنا؛ فجزعوا حينا؛ فلم يرحموا، ثم قالوا: تعالوا نصبر لعل اللَّه يرحمنا؛ فلم يرحموا؛ فعند ذلك قالوا: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) لكن لا يحتمل أن يقولوا ذلك بعد الامتحان والاختبار، لكن كأنهم قالوا ذلك بالذي سمعوا؛ وهو قوله: (فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، ولما سمعوا ذلك عند ذلك قالوا: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) أي: مَنْجى ومَخْلَص، لا يحتمل أن يقولوا: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) في أول أحوالهم وأمورهم، ولكن يحتمل ما ذكر أهل التأويل أنهم يقولون ذلك عند الإياس.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

قَالَ بَعْضُهُمْ: (قُضِيَ الْأَمْرُ): أي: أُدخل أهل الجنةِ الجنةَ؛ وأهل النارِ النارَ؛ يقوم إبليس خطيبًا في النار؛ فخطب كما ذكر.

وقال قائلون: (قُضِيَ الْأَمْرُ) أي: مُيِّز وبُيِّنَ أهل الجنة من أهل النار؛ قبل أن يدخل أهل النار النار؛ وأهل الجنة الجنة - قام خطيبا فخطب لأتباعه كما ذكر.

ويحتمل قوله: (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي: لما فرغ من الحساب ومن أمرهم؛ عند ذلك يخطب؛ ما ذكر؛ وهو كقوله: (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) أي: لما فرغ من السماع؛ فعلى ذلك هذا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي: لما نزل بهم العذاب.

ويشبه أن يكون قوله: (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) هو أن اللَّه كان وعد أن يقوم إبليس خطيبًا لهم؛ فقضى الأمر؛ أي: أنجز ما وعد؛ أنه يخطب أو أن يكون لأهل الكفر لجاجات ومنازعات فيما بينهم يوم القيامة؛ كقوله: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)؛ وكقوله: (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ. . .) الآية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015