(16)

والثاني: (وَاسْتَفْتَحُوا) أي: تحاكموا إلى اللَّه في النصر للأحق منهم؛ والأقرب إلى الحق؛ كقوله: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا. . .) الآية، وهو التحاكم إليه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).

هو ما ذكرنا: تحاكموا إلى اللَّه؛ فنصر أولياءه، وأهلك أعداءه، على ما ذكر أن أبا جهل قال: اللهم دينك القويم وأياديك الحسنة، أينا كان أَحبَّ إليك وأقرب إلى الحق - فانصره؛ فنصر المؤمنين وأهلك الأعداء.

وقوله: (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي: تجبر على رسله وأوليائه، والعنيد: قيل: المعرض المجانب عن الحق والطاعة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الجبار: القاتل على الغضب والضارب على الغضب؛ وهو ما ذكرنا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ ... (16) أي: من وراء عذاب الدنيا لهم عذاب جهنم.

وقوله: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ): الوراء: قد يستعمل في أمام وخلف؛ أي: من أمام ما حل بهم جهنم، ويحتمل: وراء ما أصابهم؛ ما ذكر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ).

أي: يسقى في جهنم صديدًا مكان ما يسقون في الدنيا؛ وهو الذي يسيل من القروح والجروح، جعل اللَّه للكافرين في الآخرة مكانًا بما كان لهم في الدنيا؛ لباسًا وشرابًا وطعامًا؛ ما كانت تكرهه أنفسهم، جعل مكان ما يسقون في الدنيا من الماء - في النار: الصديد والغسلين والحميم، ومكان الطعام في الدنيا - في النار: الزقوم والضريع، ومكان اللباس: القطران ونحوه، ومكان القرين والصديق في الدنيا: يجعل قرينه الشيطان، كقوله: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)، إذ ذلك كله يمنعهم عن دين اللَّه؛ ويصدهم عن ذكره، ليكون جزاؤهم من نوع ما كان يمنعهم في الدنيا عن طاعته.

ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الصديد الذي يسقون: هو أن النار تجرحهم وتقرحهم؛ فيسيل - من ذلك - الصديدُ؛ فيسقون من ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015