والثاني: على قولهم، لا يملك أن يتوفاه مسلمًا؛ لأن من قولهم: إنه أعطى كل أحد ما به يكون مؤمنًا حتى لم يبق عنده شيء، ومن سأل آخر شيئًا يعلم أنه ليس عنده؛ فهو يهزأ به، أو يكون فيه كتمان النعمة؛ وفي كتمان النعمة كفرانها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
(ذَلِكَ): أي خبر يوسف وإخوته؛ وقصصهم التي قصصنا عليك وأخبرناك به؛ من أوله إلى آخره، (مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) ولم تشهدها أنت أولم تحضرها كقوله: (مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا)، هذا ليعلم أنك إنما علمت وعرفتها باللَّه وحيًا؛ ليدلهم على رسالتك ونبوتك. واللَّه تعالى أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ).
أي: ما كنت لديهم ولا بحضرتهم؛ ثم أنبأت على ما كان؛ ليدل على ما ذكرنا من الرسالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ يَمْكُرُونَ).
بأبيهم وأخيهم: أما مكرهم بأبيهم؛ حيث قالوا: (يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ)، أخبروه أنهم له ناصحون؛ فخانوه.
ومكرهم بأخيهم؛ حيث قالوا: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ضمنوا له الحفظ؛ فلم يحفظوه - مكروا بهما جميعًا.
والمكر: هو الاحتيال؛ في اللغة؛ والأخذ على جهة الأمن، وقد فعلوا هم بأبيهم يعقوب وأخيهم يوسف عليهما السلام.
* * *
قوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)
وقوله - عز وبرل -: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
أي ما أكثر الناس بمؤمنين؛ ولو حرصت يا مُحَمَّد أن يكونوا مؤمنين؛ كقوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بلخ من شفقته ورحمته على الخلق؛ ورغبته في إيمانهم؛ حتى كادت نفسه تهلك في ذلك؛ حيث قال: