(101)

أن ليس يفهم من عظمه ما يفهم من عظم الخلق؛ إذ لا يجوز في الخلق أن يكون عظيمًا لطيفًا؛ ويجوز في اللَّه، ليعلم أن ما يفهم من هذا غير ما يفهم من الآخر. واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

أي العليم بما كان ويكون، وما ظهر وما بطن، وما يسرّ وما يعلن، وبكل شيء، أو عليم بعواقب الأمور وبدايتها، (الْحَكِيمُ): حكم بعلم، ووضع كل شيء موضعه؛ لم يحكم بجهل ولا غفلة ولا سفه؛ على ما يحكم الخلق، تعالى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - عن ذلك علوًّا كبيرًا.

مسألة: ثلاث آيات في سورة يوسف على المعتزلة: قوله: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ)، أخبر أنه لو لم يصرف عنه كيدهن مال إليهن، وهم يقولون: قد صرف عن كل أحد السوء والكيد؛ لكن لم ينصرف عنه ذلك.

وكذلك قوله: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)، أخبر أنه إذا رحمه امتنع عن السوء والأمر به، وهم يقولون: إنه - وإن رحم - لا يمتنع السوء ولا الأمر به.

وكذلك قوله: (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ)، وهم يقولون: ليس له أن يصيب أحدًا دون أحد من رحمته؛ ولا أن يخص أحدًا بذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)

قال أبو بكر الأصم: ذكر (مِنَ الْمُلْكِ)؛ لأنه لم يؤته كل الملك؛ إذ كان ووقه ملك أكبر منه، لكن لا لهذا ذكر (مِنَ الْمُلْكِ)؛ إذ معلوم أنه لم يؤت لأحد كل ملك الدنيا؛ قال اللَّه تعالى: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ)، ويكون في وقت واحد ملوك.

وقال مقاتل: (من) صلة: كأنه قال: رب قد آتيتني من الملك. لكن الوجه فيه ما ذكرنا.

وقوله: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ. . .) إلى آخر ما ذكر، قدم دعاءه؛ وسؤاله ربه ما سأل؛ إحسانه إليه ومحامده وصنائعه؛ ليكون ذلك له وسيلة إلى ربه في الإجابة.

وفي ذلك دلالة نقض قول المعتزلة من وجهين:

أحدهما: يقولون: إن كل أحد شفيعه عمله؛ فيوسف لم يذكر ما كان منه: أني فعلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015