قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِ
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ).
أي لا تزال تذكر يوسف ولا تنسى ذكره؛ حتى تسلو؛ من حزنه، كأنهم دَعَوْه إلى السلو من حزنه؛ لأنه بالذكر يتجدد الحزن ويحدث، فقالوا له: لا تزال تذكر يوسف.
(حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا).
قيل: دنفًا وقيل: (حَرَضًا): هرمًا؛ وأصل الحرض: الضعف.
(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِ).
كذلك صار يعقوب ضعيفًا في بدنه من الحزن؛ وصار بعض بدنه من الهالكين؛ حيث ابيضت عيناه؛ وذهبتا من الحزن.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
قَالَ الْقُتَبِيُّ: الحرض: الدنف، والبث: أشد الحزن؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يَبُثه؛ أي: يشكوه، وكذلك روي في الخبر: (مَنْ بَثَّ فلم يصبر)؛ أي: شكا، وما ذكر من الشكاية إلى اللَّه ليس على إظهار ذلك باللسان؛ ولكن إمساك في القلب.
وقال الحسن: (أَشْكُو بَثِّي) أي: حاجتي وحزني إلى اللَّه، ويشبه أن يكون البث والحزن واحدًا ذكر على التكرار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحرض: الذي قد ذهب عقله من الكبر.
(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) فتموت واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
قال بعض أهل التأويل: قوله: أعلم من اللَّه من تحقيق رؤيا يوسف؛ أنه كائن ما لا تعلمون: أنتم وأنا سنسجد له.
وقال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قوله: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) أنه حي