ذلك؛ لأنهم لما اتهموا جميعًا بالسرقة؛ فقيل: (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، قالوا: (لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ)، قطعوا فيه القول؛ أنهم لم يكونوا سارقين، وهو كان فيهم؛ فكيف قطعتم فيه القول بالسرقة (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ)؛ ولكن سولت لكم أنفسكم أمرًا من البغض والعداوة؛ من الإيثار له وليوسف عليهم؛ والميل إليهما دونهم؛ حيث قالوا: (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) واللَّه أعلم.
فسولت لكم أنفسكم ببغضكم وعداوتكم حتى تركتم التفحص عن حاله وأمره، أن لا كل من وجد في رحله شيء يكون هو واضع ذلك الشيء؛ بل قد يضع غيره فيه؛ على غير علم منه.
وقوله: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ).
قد ذكرناه.
وقوله: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا).
قال أهل التأويل: قال: (يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا)؛ لأنهم صاروا جماعة؛ يوسف وبنيامين أخوه، ويهوذا وشمعون قد تخلفا لسبب حبس يوسف أخاه، أو يوسف وأخوه.
وقال بعض أهل التأويل: إن جبريل أتى يعقوب على أحسن صورة؛ فسأله عن يوسف؛ أفي الأحياء أم في الأموات؟ فقال: بل هو في الأحياء؛ فقال عند ذلك: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا).
أو علم يعقوب أن يوسف في الأحياء، وأنه غير هالك؛ لما رأى يوسف؛ من الرؤيا؛ من سجود الكواكب والشمس والقمر له؛ علم أنه في الأحياء، وأنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه، وغير ذلك من الدلائل، لكنه كان لا يعلم أين هو؟ فقال ذلك). (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
أي أعرض عنهم وعاتبهم؛ حين أخبروه أن ابنه سرق.
وقال: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ).