(68)

والحذر هو العادة في الخلق، والتوكل: تفويض الأمر إلى اللَّه، والاعتماد عليه. والله أعلم.

وقوله: (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ... (68) من أبواب متفرقة.

(مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ).

أي: ما كان يدفع ذلك عنهم ما حكم اللَّه عليهم أنه يصيبهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَ).

الحاجة في النفس: أحد شيئين: إما الرغبة، وإما الرهبة؛ كقوله: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً) فعلى ذلك حاجة يعقوب، لا تخلو: إما أن كانت رغبة منه؛ في تفرقهم، أو رهبة في اجتماعهم؛ قضى تلك الحاجة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ).

يشبه أن يكون هذا صلة ما قال يعقوب لبنيه: (لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) أي: وإنه لذو علم لما أمرهم بالدخول على التفرق؛ والنهي عن الاجتماع.

وقوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

ما أراد. بقوله: (لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).

وعن ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ): من السكك المتفرقة، ما كان يغني عنهم من قضاء اللَّه شيئًا إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها، يقول: بدأها فتكلم بها.

(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ) يقول: حافظًا لما علمناه، وقيل: حافظًا له؛ عالمًا به، وقيل؛ (لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ) أي: عمل بجميع ما علم وانتفع به، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) لم ينتفعوا بما علموا.

ويحتمل: وإنه لذو علم بقصة يوسف من أولها إلى آخرها؛ كما أخبرناه (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ذلك.

وجائز أن يكون قوله: (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ) أي: ما أصابه من الحزن؛ بذهاب يوسف وأخيه، وما أصابه من الشدة والنكبة لم يؤثر ذلك في علمه الذي علمناه، وإن أثر ذلك في نفسه وبدنه، أي علمه بما علمناه بعدما أصابه ما أصابه؛ كهو ما كان قبل ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015