متفرقين فلا يهلكون الكل؛ وإنما يهلك بعضهم وينجو بعض أو لا يدري ما أراد بهذا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: علم يعقوب أنهم لا يهلكون؛ لما رأى يوسف من الرؤيا أن يسجد له إخوته، ولكن خاف عليهم أن تصيبهم النكبة؛ لذلك أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة، أوص ن سكك متفرقة، أو من طرق متفرقة، أو ما قالوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ).
أي لا أدفع عنكم من اللَّه من شيء؛ إن أصابكم نكبة أو عين، فَإِنْ قِيلَ: لو كان أمره إياهم بالتفرق؛ لخوف العين؛ أو لخوف أهل البلد منهم السرقة والإغارة، كيف لم يأمرهم بذلك في المرة الأولى؛ وخوف العين؟ لم يخش ذلك لما قد يقع الاجتماع ما ذكر ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنه يخافهم أهل البلد إذا رأوهم مجتمعين أنهم لصوص وأنهم كذا، ولكن جائز أن يكون في المرة الأولى لم يخش ذلك؛ لما قد يقع الاجتماع في أمثال أُولَئِكَ من الرفقاء والصحابة، فلا يكون في ذلك الخوف الذي ذكروا. وإذا عادوا في المرة الثانية؛ قد يحتمل ذلك الخوف من العين؛ وغيره، إذا علم أهل البلد أن ذلك العدد تحت أب واحد، أو أمرهم بالتفرق على الأبواب؛ بمحنة امتحن بذلك، وأمر به، أو لمعنى غاب عنا لا نحتاج إليه. واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي: لا أدفع عنكم من اللَّه من شيء إن أصابكم نكبة أو عين وإن تفرقتم إن الحكم إلا لله، هذا تفسير قوله: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي: لا أدفع عنكم، بما أحتال ما قدر اللَّه وقضاه؛ أن يصيبكم؛ فيصيبكم لا محالة وينزل بكم (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي: ما الحكم في ذلك إلا لله ما في حكمه وقضائه أن يصيبكم فيصيبكم لا محالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
هذا أصل كل أمر يخاف المرء، وأن يأخذ بالحذر، ويتوكل - مع ذلك - على اللَّه؛ على ما أمر يعقوب - عليه السلام - بنيه بالحذر في ذلك، ثم توكل على اللَّه في ذلك.