نزول العذاب وغيب ما في الأرض؛ كأنه خرج جواب ما سألوه من العذاب؛ كقوله: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ)، وكقوله: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وقوله: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فقال: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي: علم ذلك عند اللَّه، وكقوله: (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، وأمثاله.
ويشبه أن يكون جواب ما تحكموا على اللَّه من إنزال القرآن، وجعل الرسالة في غيره كقولهم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، و (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، فقال: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ. . .) الآية، وقال: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) فعلى ذلك قوله: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لا إلى الخلق، واللَّه أعلم بما أراد (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) إليه يرجع أمر الخلق كله وتدبيرهم (فَاعْبُدْهُ) أي: اعبده في خاص نفسك (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) في تبليغ الرسالة إليهم؛ أي: لا يمنعنك كيدهم ومكرهم بك عن تبليغ الرسالة، ولا تخافن منهم، فإن اللَّه يحفظك من كيدهم ومكرهم بك؛ كقوله: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، و (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هذا يؤيد ما ذكرناه؛ أي: ما ربك بغافل عما يريدون بك من كيدهم ومكرهمِ؛ بل يعلم ذلك، وينصرك، وينتصر منهم، وهو كقوله لموسى وهارون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46). أي: اسمع قوله وجوابه إياكما، وأرى ما يفعل، أي: أنصركما فلا تخافا؛ فعلى ذلك الأول، واللَّه سبحانه وتبارك وتعالى أعلم.
* * *