أي: لم يعطهم الأولاد والأموال لعبًا وباطلا، أو لتكون لهم الأموال والأولاد، ولكن أعطاهم محنة وابتلاء، وكذلك جميع ما أنشأ في الدنيا من الأشياء إنما أنشاها لنا فتنة ومحنة؛ كقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ. . .) الآية، وقوله: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، وقال: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ. . .) الآية، وغيرها من الآيات؛ يدل على أن جميع ما أنشأ فتنة ومحنة يمتحن به البشر؛ كقوله: (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي: محنة وابتلاء امتحنا به في أنواع التأديب والتعليم والحفظ والحقوق التي جعلها لهم عليهم، وهو كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ. .) الآية، وأوجب في الأموال حقوقًا امتحننا بأداء تلك الحقوق التي فيها، وكذلك في جميع ما أمر اللَّه به الخلائق بأمور ونهاهم إنما أمر ونهى لمنفعة الخلائق، ودفع الضرر عنهم، لا لمنفعة نفسه، أو ضرر، أو حاجة يدفع بها عن نفسه؛ إذ له ملك ما في السماوات والأرض، وهو العزيز بذاته لا تمسه حاجة، يتعالى عن ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
لمن لم يخن اللَّه والرسول؛ وعدهم الأجر العظيم إذا قاموا بوفاء ما امتحنهم الله وابتلاهم به من الأموال والأولاد؛ حيث قال: (وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ عَظِيمٌ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ... (29)
قال بعض أهل التأويل: إن هذه الآية صلة ما سبق من الأمر بالجهاد ببدر والخروج إليه؛ كأنه قال: إن تتقوا اللَّه وأطعتم اللَّه وأجبتم له فيما دعاكم إليه، (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)، يحتمل قوله: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)، أي: يجعل خروجكم إليه وجهادكم آية عظيمة يظهر بها المحق من المبطل؛ كقوله: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)، وقال: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ) أي: ليظهر الحق من الباطل، وقد كان بحمد اللَّه ذلك، وبانَ الحق من الباطل، والمحق من المبطل.
وقيل: قوله: (فُرْقَانًا)، أي: مخرجًا في الدِّين من الشبهات.