(كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا) بذلك (وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) أي: لا يجيبون، ولا يسمعون، ولا يؤمنون.
ويحتمل أن يكون: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا): الآيات والحجج، (وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) أي: لا ينتفعون بسماعهم، أو لا يعقلون كالدواب وغيرها.
قال أبو بكر الأصم: قوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) استثقالا، وبغضًا؛ أي: لا يستمعون إليه؛ لأن من استثقل شيئًا وأبغضه لم يستمع إليه؛ كقوله: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)
تأويله - واللَّه أعلم -: أن الذي هو من شر الدواب عند اللَّه هو الأصم الذي لا ينتفع بسمعه، والأبكم الذي لا ينتفع بلسانه ونطقه؛ لأنهم لم ينتفعوا بسمعهم لما جعل له السمع، ولم ينتفعوا بنطقهم لما جعل له النطق، ولم ينتفعوا بعقلهم لما جعل له العقل، فهم شر الدواب؛ كقوله: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)، وأشر؛ لأن الدواب والأنعام انتفعت بهذه الحواس لما جعلت لها هذه الحواس، عرفت بهذه الحواس المهالك والمضار فتوقت عنها، وعرفت الملاذ والمنافع بها فترغب فيها وتقع، فانتفعت الدواب بالحواس التي جعلت لها لما جعلت، ولم يجعل لها هذه الحواس إلا للمقدار الذي عرفت وفهمت وانتفعت، وهَؤُلَاءِ الكفرة لم ينتفعوا بالحواس التي جعلت لهم لما جعلت له ذلك؛ ليعرفوا النافع لهم والملاذ في العاقبة كذلك ويعرفوا الضار لهم في العاقبة والمهلك فيتوقوا عنه، فلم ينتفعوا بحواسهم لما جعلت الحواس، والدواب انتفعت بها؛ لذلك كانوا أضل وأشر أمنها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ) الذين اكتسبوا الصمم الدائم والعمى الدائع، وذلك في الآخرة؛ كقوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) وقوله: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، أي: تركوا اكتساب البصر الدائم، والسمع الدائم، والحياة الدائمة والباقية، سماهم صمًّا وبكمًا وعميًا؛ لما لم يكتسبوا بصر القلب، ونطق القلب، وسمع القلب؛ فهذه هي الحواس التي تكون