وقوله: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ. . .) الآية. يخرج على وجوه:

أحدها: أن العبد لا صنع له في القتل واستخراج الروح منه، إنما ذلك فعل اللَّه، وإليه ذلك، وهو المالك لذلك؛ لأن الضربة والجرح قد يكون ولا موت هنالك؛ وكذلك الرمي، ليس كل من أرسل شيئًا من يده فهو رمي، إنما يصير رميا باللَّه إنشاء السهم حتى يصل بطبعه المبلغ الذي يبلغ؛ فكأنه لا صنع له في الرمي.

ألا ترى أنه لا يملك رد السهم إذا أرسله، ولو كان فعله لملك رده؛ ولهذا قال أبو حنيفة - رحمه اللَّه -: إن الاستئجار على القتل باطل.

والثاني: قتلوا بمعونة اللَّه ونصره؛ كما يقول الرجل لآخر: إنك لم تقتله، وإنما قتله فلان، أي: بمعونة فلان قتلته؛ فعلى ذلك الأول.

وقوله: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)، أي: ما أصاب رميك المقصد الذي قصدت، ولكن اللَّه بالغ ذلك المقصد الذي قصدتم.

والثالث: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ)، أي: لم تطمعوا بخروجكم إليهم قتلهم؛ لأنهم كانوا بالمحل الذي وصفهم من الضعف وشدة الخوف والذلة كأنما يساقون إلى الموت، فإذا كانوا بالمحل الذي ذكر فيقول - واللَّه أعلم -: لم تطمعوا بخروجكم إليهم وقصدكم إياهم قتلهم؛ لما كان فيكم من الضعف وقوة أُولَئِكَ، ولكن اللَّه أذلهم، وألقى في قلوبهم الرعب والخوف حتى قتلتموهم؛ وكذلك قوله: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) لا يطمع الإنسان برمي كف من تراب النكبة بأعدائه، ولكن اللَّه رمى حيث بلغ ذلك، وغطى أبصارهم وأعينهم بذلك الكف من التراب؛ على ما ذكر في القصة أنه رمى كفًّا من تراب فغشى أبصار المشركين، فانهزموا لذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015