وأهل الكفر، واللَّه أعلم.
ثم يقال: يجوز أن يكون ما ذكر من الوعيد لمعنى في التولية عن الدبر والإعراض، لا لنفس التولية عن الدبر؛ إذ قد ذكر التولية عن الدبر في آية أخرى، والعفو عن ذلك، وهو قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا. . .) الآية.
فَإِنْ قِيلَ: لعل التوبة مضمرة فيه، تابوا فعفا عنهم.
قيل: إن جاز أن تجعل التوبة مضمرة فيها، جاز أن يضمر في التولية عن الدبر الردة، فليست تلك أولى بإضمار التوبة من هذه بإضمار الردة، وفي الآية معان تدل على الإضمار؛ إضمار ما يوجب الوعيد الذي ذكر - واللَّه أعلم -:
أحدها: ذكر التحيز إلى الفئة، وإذا لم يكن للمسلم فئة يتحيز إليها، فإذا تحيز إنما يتحيز ليصير إلى العدو، فهو الردة التي ذكرنا.
والثاني: ما ذكر في بعض القصة أنه لما اصطف القوم رفع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يديه، فقال: " يا رب، إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدًا "، ومن هرب أو ولى الدبر عن مثل تلك الحال، لم يول إلا لقصد ألا يعبد، فهو كفر.
والثالث: قد وُعِدَ لهم النصر والظفر على العدو، فمن ولى الدبر، لم يول إلا لتكذيب بالوعد الذي وُعِدَ لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
قيل فيه بوجوه:
يحتمل قوله: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ)، أي: لم تكن جراحاتكم التي أصابتهم بمصيبة المقتل، ولا عاملة في استخراج الروح، ولا كانت قاتلة، ولكن اللَّه - تعالى - صيرها قاتلة مصيبة المقتل، عاملة في استخراج الروح؛ لأن من الجراحات ما إذا أصابت لم تصب المقتل، ولا عملت في استخراج الروح.