بها وتعنتوا، وإذا لم يأتهم بها سألوه الآية سؤال المستهزئين المتعنتين، وإذا لم يأتهم بها قالوا: (لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا): لولا ابتدعتها وأحدثتها وأنشأتها، وهلا أنشاتها من قبل نفسك، فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي: لا أفتعلها، ولا أنشئها من نفسي، إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي.
وأمكن أن يكون سؤال الآية من المؤمنين؛ فإن كان منهم فهو سؤال الاسترشاد؛ لما يزداد لهم بكل آية تنزل عليهم يقينًا وقوة في دينهم؛ كقوله: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا. . .) الآية، (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا) الآية، وكقوله: (فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ. . .) الآية فإذا كان السؤال من المؤمنين فهو سؤال الاسترشاد وطلب زيادة الهدى، وإن كان من الكفار فهو سؤال الاستهزاء والتعنت، ثم أخبر أنه لا يتبع إلا ما يوحى إليه، ثم أخبر أنه (بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ).
قيل: بيان، أي: هذا القرآن بيان من ربكم يبصر به من لم يعاند ولم يكابر عقله ككَ ما له وما عليه، وأنه البيان من الحق والباطل، (وَهُدًى) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي: ورحمة من العذاب.
* * *
قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا. . . . .) الآية.
أمر اللَّه - تعالى - بالاستماع إلى هذا القرآن والإنصات له إذا قرئ، وإن كان في العقل أن من خاطب آخر بمخاطبات يلزمه الاستماع إلى ما يخاطبه ويشافهه، فاللَّه - سبحانه - إذا خاطب بخطاب أولى أن يستمع له مع ما ذكر في غير موضع من القرآن آيات ما يوجب في العقل الاستماع إليه؛ كقوله: (هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ)، وقوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وغير ذلك من الآيات، ولا سبيل إلى أن يعرف أنه بصائر، وأنه هدى وما ذكر إلا بالاستماع إليه والتفكر فيه؛ فدل أن الاستماع لازم في العقل من له أدنى عقل؛ على ما ذكرنا من المخاطبات، لكنه ذكر -