وأما قولهم: إنه إخبار عما آل إليه عاقبة أمرهم، واستشهادهم بقوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ. . .)، فهو يصلح: لمن يجهل عواقب الأمور، يخرج ذلك منه على التنبيه والإيقاظ؛ لما لم يعرفوا عاقبة ما أبه أصار إليه الأمر، فأما اللَّه - سبحانه عالم السر والعلانية وما كان ويكون في الأوقات التي تكون - لا يحتمل ذلك.
وقول الناس:
لدوا للموت، وابنوا للخراب.
فهو إنما يذكرون هذا عند التنبيه والإيقاظ لجهلهم بعواقب الأمور، وإن كانوا لا يبنون، ولا يلدون للموت والخراب، وما قصدوا له.
وأما التأويل عندنا على ما ذكر في ظاهر الآية أنه خلق لجهنم كثيرًا من الجن والإنس، لما علم في الأزل أنهم يختارون فعل الكفر والأعمال الخبيثة التي يستوجبون بها النار خلقهم لجهنم؛ لما علم منهم ذلك في الأزل أنهم يختارون الأعمال الخبيثة فذرأهم على ما علم منهم أنهم يختارون ويكون منهم، وكذلك خلق المؤمنين للجنة؛ لما علم في الأزل أنهم يختارون فعل الهدى، ويعملون أعمالًا طيبة يستوجبون بها الجنة، خلقهم للجنة لا أن خلقهم للجنة مرسلًا أو خلقهم لجهنم مرسلا، ولكن لما ذكرنا، والله أعلم.
وأما قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه يعبده ويطيعه، وأما من علم أنه يكفر به ويعصيه فهو إنما خلقه لما علم أنه يكون منه؛ فمن كان علم منه في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة، ومن كان علم منه أنه يكون منه الكفر خلقه لذلك؛ لأنه لا يجوز أن يعلم منه المعصية وفعل الكفر فيخلقه على خلاف ذلك؛ دل أنه على ما ذكرناه، واللَّه أعلم.
أو أن يقال: قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، الفريق الذي علم منه العبادة، لا الكل؛ دليله قوله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)، ولم