والثاني: قوله: (مِن ظُهُورِهِم) وفي قولهم: من ظهر آدم.
والثالث: قوله: (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) وفي التأويل ألا تقولوا، فكيف يحذرهم عن القول بذلك وقد علم أنهم كذلك، ليس أحد منهم يذكر ذلك، ولا مما يتقرر عنده لو نبه بكل أنواع التنبيه؟
والرابع: قوله: (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ)، ما في ذلك العرض مما يمنع عن هذا القول، وأيضًا أنه أذكر في بعض ذلك القول بأن هَؤُلَاءِ، في النار ولا أبالي، وفي القرآن الجمع بينهم في القول بـ بلى، وذلك عد توحيدًا منهم مع ما في القرآن: (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا. . .) الآية، (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ. . .) الآية، وفي إثبات ذلك إثبات الموت والحياة أكثر من العدد الذي جاء به القرآن في الكل، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم قد يتوجه التأويل الثاني في قوله: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) إلى أوجه.
فأما ابتداء الآية فهو ذلك عند التحقيق؛ لأنه ذكر الأخذ من بني آدم ثم من ظهورهم، والمأخوذ من بني آدم ثم من ظهورهم هو النطف، وهو الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب، (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) أعلمهم ما منه أنشأهم وقلبهم من حال إلى حال، إلى أن تمت النسمة وظهرت البشرية على ما أعلم كل في ذريته خروج بدئه من تدبير والديه، وقيامه على ما عليه مداره وقراره، وبتدبير من لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه أمر؛ ليقولوا: إن الذي ذكر هذا هو ربهم الذي رباهم على ذلك، ليس كمثله شيء، فكان ذلك إعلامًا من اللَّه إياهم على أنفسهم، وشهادة منها بالخلقة أنه ربهم الذي رباهم وملكهم على ما جرى فيهم من تدبير اللَّه - جل ثناؤه - ولئلا يقولوا غدًا: إنهم عن هذا غافلين؛ إذ قد عرف ذا كل ذي عقل، وعرف أنه كان باللَّه - سبحانه وتعالى - لا بوالديه؛ ليجعلوا شرك الآباء والأمهات لأنفسهم حجة من حيث كانوا منهم، واللَّه أعلم.
والثاني: أن يكون اللَّه أشهدهم على أنفسهم بما أراهم من أحوال ذريتهم في الانتقال