الأصلاب، والإنشاء في الأرحام؛ على ما كان ويكون إلى يوم القيامة؛ على ما قال اللَّه - سبحانه وتعالى -: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ. . .)، إلى قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)، وقال: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا. . .) الآية، وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. . .). وقال: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارً. . .)، وغير ذلك مما احتج اللَّه به من أول ما جرى به تدبير البشر إلى آخر ما ينتهي به أمره، مما يعجز عن تقديره وسع الخلق، ويستتر عن عقولهم كيفية بدء ذلك، وما عليه تنقله من حال إلى حال في كل طرفة عين، ولحظ بصر، مع ما فيه من عجيب التدبير وحسن التقويم الذي لو تكلف الخلق تصوير مثله بكل أنواع الحيل من الأصول الظاهرة، بحيث يبصره كل بصر - لكان يعجز عنه، فكيف في الظلمات الثلاث، مع ما ركب فيه من العقل والسمع والبصر، وما جعل في كل ما أنشأ فيه، ومنه مما لا يبلغ الأوهام فضلًا عن الإحاطة بما في ذلك من الحكمة؛ ولذلك قال اللَّه: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، وكأن ذلك هو العهد إلى جميع الذرية وإشهاد أنفسهم عليهم، يتعالى من دبرهم على ذلك وأنشأهم على ما فيهم عن أن يكون له شريك، أو يقدر أحد قدره، فذلك هو معنى إشهادهم على أنفسهم، أي: جعلهم على أنفسهم شهودا أن يعلموا أن مدبرهم هو ربهم، لا ربّ لهم غيره، وأنه ليس كمثله شيء، مع ما في جعل ذلك ذرية يعرف كل بما يرى من عجزه تدبير ولده، وجهله بأحواله في حال كونه في رحم أبويه بيان على أنه لا كان بآبائه وأمهاته علم، ولكن برب العالمين، وذلك هو الذي يمنعهم عن القول بالغفلة عن ذلك؛ إذ قد علمه كل منهم لآجال كونهم في الوقت الذي لا يذكره أحد.
والذي يبين أن هذا التأويل أحق من الأول ما دل عليه سياق الآية من ذلك قوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ)، وأقاويل من ذكرت على الأخذ من ظهر آدم.