عبادة تلك الأصنام إلى اللَّه، ويخرج ذلك مخرج التعظيم لله والتبجيل، لا على الكفر وصرف العبادة عنه إلى غيره، وكذلك كان عادة العرب أنهم كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم عبادتها إلى اللَّه زلفى، وكذلك ما ذكر في بعض القصة أن فرعون كان يتخذ لقومه أصنامًا يعبدونها؛ لتقربهم تلك الأصنام إليه زلفى، فعلى ذلك سؤال هَؤُلَاءِ لموسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا)، واللَّه أعلم.
أو كان سؤالهم ذلك لما لم يروا في الشاهد أحدًا يخدم إلا لحاجة تقع له إلى ذلك، فرأوا أن اللَّه يتعالى عن أن يعبد ويخدم للحاجة، وهم يخدمون القادة والرسل ويعبدونهم لما رأوا أنهم ينالون من النعم، وأنواع المنافع من الرؤساء والكبراء؛ لذلك كانوا يخدمونهم، وأما أهل التوحيد فإنهم لا يرون العبادة لغير اللَّه؛ لأنه ما من أحد وإن بعد منزلته ومحله إلا وآثار نعم اللَّه عليه ظاهرة حتى عرف ذلك كل أحد، حتى لو بذل له جميع حطام الدنيا، أو أوعد بكل أنواع الوعيد؛ ليترك الدِّين الذي هو عليه، ما تركه ألبتَّة.
وفي أمر موسى - صلوات اللَّه عليه - خصلتان، إحداهما: أن يعلم أن كيف يؤمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وكيف يعامل مرتكب الفسق والمنكر يعامل على ما عامل موسى قومه باللين والشفقة، وإن استقبلوه بالعظيم من الأمر والمناكير. والثانية: [ ..... ]
ويحتمل أن يكون سؤالهم إلهًا يعبدونه لما أن أهل الكفر قالوا لهم: إن الرسل هم الذين أمروهم بعبادة الأصنام؛ كقوله: (وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)، فعلى ما قالوا إن الرسل هم الذين أمروهم بذلك، سألوا موسى أن يجعل لهم إلهًا كما لهم آلهة.
وقوله: (إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ ... (139)
أي: أن عبادتهم لهَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ، أي: مهلكهم ومفسدهم.
(وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).