(104)

الذي ينازع الأنبياء والرسل هم الكبراء والرؤساء دون الأتباع والسفلة، والأتباع هم الذين يصدرون لآراء الكبراء، ويتبعونهم فيما يدعونهم إليه، وعلى ذلك سموا الكبراء والرؤساء أضداد الرسل، وإلا كان موسى مبعوثًا إليهم جميعًا؛ الوضيع منهم والرفيع.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَظَلَمُوا بِهَا).

قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَظَلَمُوا بِهَا) أي: ظلموا بالآيات والحجج التي أتى بها موسى إلى فرعون وقومه، سمي ظلمًا؛ لأنهم سموا تلك الآيات سحرًا بعد ما عرفوا أنها منزلة من اللَّه، فوضعوها غير موضعها، والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه.

وقال قائلون: قوله: (فَظَلَمُوا بِهَا) أي: ظلموا نعم اللَّه التي أنعمها عليهم حيث عبدوا غيره، فصرفوا شكر تلك النعم إلى غير الذي أنعمها عليهم، فذلك ظلم، شكروا من لم ينعم عليهم وصرفوا عمن أنعم عليهم، واللَّه أعلم.

ويحتمل: ظلموا الأتباع بتلك الآيات حيث منعوهم عن اتباع الرسول واستتبعوهم.

أو يقول: ظلموا بها أنفسهم حيث تركوا اتباعها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).

هذا الخطاب في الظاهر لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وكان المراد بالخطاب غيره، أمر كلًّا بالنظر في عاقبة المفسدين لما حل بهم بفسادهم؛ لأن من نظر في عاقبة ما حل بغيره بمعصية أو فساد يمتنع عن مثله، وأمكن أن يكون الخطاب لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لوجهين:

أحدهما: لما له بما حل بهم بعض التسلي لأذاهم إياه؛ لأن من توسم حلول الهلاك على عدوه في العاقبة صبر على أذاه، ويكون له بعض التسلي في ذلك والثاني يذكرهم وينبئهم بما يحل بهم في العاقبة؛ ليمتنعوا عما ارتكبوا من المعاصي؛ لأن ذلك أزجر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)

فَإِنْ قِيلَ: كيف قال إني رسول اللَّه وذلك يخرج في الظاهر مخرج الامتداح والتزكية، وقد نهينا عن ذلك؛ لأنه أخبر أنه بمحل الذي توضع الرسالة فيه، وأنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015