وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا).
خاطب اللَّه بهذه الآيات رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمرادُ به: الخلقُ كله، فمن بلي بمثل ما كان بلي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من السؤال والدعاء، فله أن يقرأ أو يذكر ما في هذه الآيات.
ولو كان المراد بالخطاب بهذا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة، لكان لا يقول له: (قُلْ)، ولكن يقول له: افعل كذا، ولا تفعل كذا؛ وعلى ذلك الخطاب في الشاهد في خطاب بعض بعضا ألا يقولوا: (قُل)؛ فدل أنه على ما ذكرنا، وكذلك قوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ): من استوصف صفات اللَّه، فعليه أن يصف له ما في سورة الإخلاص، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وغيره من الخلائق سواء في ذلك الخطاب.
ثم في قوله: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. . .) الآية ذكر منَّته بما هداه، والاستسلام إلى شكر ما أنعم عليه. وفي قوله: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) والأمر بإخلاص العبادة لله - عَزَّ وَجَلَّ - وإسلام النفس له في جميع أحواله محياه ومماته.
وفي قوله: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا).
فيه الدعاء إلى وحدانية اللَّه وربوبيته.
ثم في قوله: (إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي) دلالة رد قول من يستثني في إيمانه؛ لأنه أمره أن يقول: (إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، من غير أن يأمره بالثنيا؛ فمن استثنى فيه لا يخلو استثناؤه من أحد معنيين:
إما أن يكون لشك فيه.
أو لكتمان ما أنعم اللَّه عليه؛ فعلى كل من أنعم اللَّه عليه أن يظهر ذلك، وأن يشكر له على ذلك؛ على ما أمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بذلك.
وقوله: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
يخرج على وجهين:
أحدهما: يخرج على الأمر بالدعاء لنفسه؛ لأنه قال: قل: أجعل صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين.
والثاني: على المنابذة مع أُولَئِكَ الكفرة والفجرة، يقول: أنا أجعل صلاتي وعبادتي