(2)

وقال غيره من أهل التأويل: الليل والنهار في الحقيقة ما يكشف عما استتر من الأبصار: أبصار الوجوه، وأبصار القلوب.

والظلم ما يستر ويغطي على الأبصار: أبصار الوجوه، وأبصار القلوب، فالظلمة تجعل كل شيء مستورًا عليه، والنور يجعل كل شيء كان مستورًا عليه ظاهرًا باديًا، هذا هو تفسير الظلمة والنور حقيقة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) قيل: يشركون مع ما بيَّن لهم ما يدل على وحدانية الرب وربوبيته، أي: جعلوا كل ما يعبدونه دون اللَّه عديلا لله، وأثبتوا المعادلة بينه وبين اللَّه - تعالى - وليس لله - تعالى - عديل، ولا نديد، ولا شريك، ولا ولد، ولا صاحبة، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

وقال الحسن: (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي " يكذبون.

وقوله - تعالى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) أي: خلق آدم أبا البشر من طين، فأما خلق بني آدم من ماء؛ كقوله تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)، أخبر اللَّه - تعالى - أنه خلق آدم من الطين، وخلق بني آدم - سوى عيسى عليه السلام - من النطفة، وخلق عيسى - عليه السلام - لا من الطين ولا من الماء؛ ليعلموا أنه قادر على إنشاء الخلق لا من شيء، وأنه لا اختصاص للخلق بشيء، ولا ينكرون -أيضًا- إنشاء الخلق وإحياءهم وموتهم، وذلك لأنه لا يخلوا إما أن صاروا ترابًا أو ماء، أو لا ذا ولا ذا، فإذا رأوا أنه خلق آدم من الطين، وخلق سائر الحيوان من الماء، وخلق عيسى - عليه السلام - لا من هذين، كيف أنكروا إنشاء الخلق بعد الموت، وهو لا يخلو من هذه الوجوه التي ذكرنا؛ فيكون دليلا على منكري البعث بعد الموت،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015