ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) عند رؤية البأس والعذاب، (آمِنُوا) في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
ويحتمل وجهًا آخر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ببعض الرسل، (آمِنُوا) بالرسل كلهم كما آمن المؤمنون؛ كقوله - تعالى -: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)، وهم كانوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ).
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يبعث، (آمِنُوا) به إذا بعث؛ لأنهم كانوا يؤمنون به قبل أن يبعث، فلما بعث تركوا الإيمان به؛ كقوله - تعالى -: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني: محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ).
أي: آمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله، وهو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ).
أي: آمنوا -أيضًا- بالكتب السماوية التي أنزلها اللَّه، تعالى.
ثم الإيمان باللَّه حقيقة - إيمانٌ بجميع الرسل والكتب؛ لأن كل نبي كان يدعو إلى الإيمان بجميع ذلك، وكذلك في كل كتاب من الكتب السماوية دعاء إلى الإيمان بجملتهم؛ ألا ترى أن الكفر بواحد منهم - كفرٌ باللَّه وبجميع الرسل والكتب وما ذكر، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. . .) والآية.
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: ومن يكفر بجميع ما ذكر؛ (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)، وهو على التأكيد.
ويحتمل: ومن يكفر باللَّه أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر؛ فقد كان ما ذكر؛ لأن الكفر بواحد من ذلك كفْرٌ بالكل، حتى لو أنكر آية من آيات اللَّه - تعالى - كفر باللَّه، وبالكتب وبالرسل كلها، واللَّه الموفق.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)