وقيل: وإن تلووا: من التحريف وطلب الإبطال.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا بين الناس "، وهو من العدل؛ على ما ذكرنا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو من الصرف والعدول عن الحق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
خرج على الوعيد، على كل ما ذكر: من منع الشهادة، والقيام للَّهِ بها، وتحريف ما لزمهم، وباللَّه العصمة.
وبمثل ذلك رُوي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخرِ فَلْيُقِم شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ كَانَتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَومِ الْآخِرِ فَلَا يَجْحَدْ حَقًّا هُوَ عَلَيهِ، وَلْيؤُده عفوًا، وَلَا يُلْجئْهُ إِلَى سُلْطَانٍ، وَلَا إِلَى خُصُومَةٍ لِيَقْطَعَ بِهَا حَقَّهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ خَاصَمَ إِلَيَّ فَقَضَيتُ لَهُ عَلَى أَخِيهِ بِحَق لَيسَ هُوَ لَهُ عَلَيهِ - فَلَا يَأْخُذنَّهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعةً مِنْ جَهَنَّمَ ".
وروي في خبر آخر: " يَا ابْنَ آدَمَ، أَقِمِ الشهَادَةَ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ، أَوْ عَلَى قَرَابَتِكَ، أَوْ شَرَفِ قَوْمِكَ؛ فَإِنَّمَا الشَهَادَةُ للَّهَ وَلَيسَتْ للنَّاسِ، إِنَّ اللهَ رَضِي بِالْعَدْل والإقْسَاطِ لِنَفْسِهِ، وَالْعَدْلُ مِيزَانُ اللهِ فِي الأَرْضِ: يَرُدُّ عَلَى الْمَظْلُومِ مِنَ الظَالِمِ، وَعَلَى الضَّعِيفِ مِنَ الشَدِيدِ، وَعَلَى الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبطِلِ، وَبِالْحَق يُصَدقُ اللهُ الصادِقَ، وَيُكَذبُ اللهُ الكَاذِبَ، وًيرُدُّ المُعْتَدِي وُيوَبِّخُهُ، وَبِالْعَدْلِ أَصْلَحَ اللهُ النَّاسَ ".
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ).
يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) - وجوهًا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا)، فيما مضى من الوقت، آمِنوا في حادث الوقت.
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا آمِنُوا)، أي: اثبتوا عليه.
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا) بألسنتكم، (آمِنُوا) بقلوبكم؛ كقوله - تعالى -: (آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).