من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن، فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا يعلم حقيقته أبدًا؛ يدل على ذلك جميع الأمور التي منها المباح أو المحظور: أن المحظور منه أبعد من الظهور والعلم به من المباح؛ فعلى ذلك أمر هذا مع ما زيد هاهنا ما جعل فيه من حد الزاني وجهين:

أحدهما: الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك؛ بما هتك ستر اللَّه.

والثاني: فحش الشين بفاعل ذلك، ولزوم المسبة في صاحب ذلك، وذلك غاية معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيْئا فَليَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّه، فَإِنهُ مَن أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَد اللَّه ". فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت من العقوبة، من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله، وبقلة حيائه، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله، ثم جعل اللَّه في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله، على ما علم من مصلحة الخلق بها، وزجرهم، وتكفيرهم بها.

ثم إن اللَّه - سبحانه وتعالى - جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت، فهو - واللَّه أعلم - مخرج على أوجه:

أحدها: إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في ذلك في الإماء حتى قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ. . .) الآية، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن؛ فنزل قوله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا، وكذلك على الحرائر؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن، وذلك معنى يبعث من شَرِهَت نفسه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015