يَرحَمْ أَهْلَ الأَرْضِ لَمْ يَرحَمْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ "؛ كما قال اللَّه - تعالى -: (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ) الآية، وقد أمر اللَّه عباده أن يعامل بعضهم بعضا بالرحمة واللين، إلا عند المعاندة والمكابرة؛ فحينئذ أمر بالقتال؛ كقوله لموسى وهارون -حيث أرسلهما إلى فرعون- فقال: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) وكان اللين في القول أنفذ في القلوب، وأسرع إلى الإجابة، وأدعى إلى الطاعة من الخشن من القول، وذلك ظاهر في الناس؛ لذلك أمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - رسله باللين من المعاملة، والرحمة على خلقه، وجعله سبب تأليف القلوب وجمعها، وجعل الخشن من القول والفظ سبب الفرقة بقوله:
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا)
في القول
(غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
أي: لو كنت في الابتداء فظًّا غليظًا لتفرقوا ولم يجتمعوا عندك.
وقوله - عزّ وجل -: (فَاعْفُ عَنْهُمْ) بأذاهم إياك ولا تكافِهِم، واستغفر لهم فيما بينهم وبين ربهم.
ويحتمل قوله: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)
بما عصوك ولا تنتصر منهم، وكذلك أمر اللَّه المؤمنين جملة أن يعفوا عنهم، وألا ينتصروا منهم بقوله: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، وكان أرجى للمؤمنين قوله: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)؛ كما قال اللَّه - تعالى -: (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ. . .) الآية، وقوله -أيضًا-: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ): لا جائز أن يؤمر بالاستغفار لهم ثم لا يفعل، وإذا فعل لا يجاب؛ فدل أنه ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وكذلك دعاء إبراهيم - عليه السلام -: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)، ودعاء نوح - عليه السلام -: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ