(135)

لنفسه، بمعنى ضرّها؛ ونحس لحظها؛ إذا فعل ما ليس له الفعل ووضع اختياره في غير موضعه، وهما معنيا الظلم، وكذلك من تعدى حَدَّ اللَّه أو آثر ما يزجره العقل والشرع -فقد فحش فعله، وذلك معنى الظلم الذي وصفت؛ إذ فعل ما ليس له، واختياره غير الذي له- هو الذي يزجره العقل والشرع، واللَّه أعلم.

ويحتمل وجها آخر غير هذين: وهو أن الظلم يجمع كل وجوه الخلاف؛ عظم أو صغر، ولذلك قد نسب ذلك إلى زلات الأخيار، نحو ما قيل لآدم - عليه السلام - في أكل الشجرة: (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، وقيل في الشرك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

والفواحش: ما أظهر وتبين، قبحه؛ لا ما قل أو كثر في الذنوب، وعلى ذلك النقصان ظلمًا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا)، وقد يوصف العيب والنقصان بالفحش؛ لكنه إذا كثر وظهر فمثله في الزلات، ويكون كالطيب في المحللات من المباح ونحوه في الدرجة، واللَّه أعلم.

ثم ليس بنا حاجة إلى معرفة المقصود بالذكر في الآية؛ لما فيها الرجوع عن ذلك، وطلب المغفرة، وكل أنواع المآثم بالتوبة تغفر بما وعد اللَّه في الشرك، والزنا، والقتل؛ فما دونه - بقوله: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. . .)، إلى تمام الآية، واللَّه أعلم.

وقوله: (إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً (135)

يحتمل الفاحشة: ما فحش في العقل وقبح.

وقال آخرون: كل محرم منهيّ فهو فاحشة.

والأول كأنه أقرب؛ لأن الشيء ما لم يبلغ في الفحش والقبح غايته؛ فإنه لا يقال: فاحشة، وإذا بلغ الغاية -فحينئذ كالطيب، أنه إنما يقال ذلك إذا بلغ غايته في الحل واللذة، فأما أن يقال لكل حل في الإطلاق طيبًا- فلا، فعلى ذلك: الفواحش؛ لا يقال لكل محظور محرم، إنما يقال ما بلغ في القبح والفحش غايته، فأما أن يقال ذلك لكل محرم منهي - فلا، وباللَّه التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015