لم يدخلوا في إطلاق قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ولا دخلوا في قوله: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) وفيكون لهم موضعًا بالنار.

وأما عندنا: فإنه يرجى دخول من ارتكب المساوئ من المؤمنين في قوله - عز وجل -: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)، ذكر خلط عمل الصالح مع السيئ، ثم وعد لهم التوبة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) والعسى من اللَّه واجب.

والثاني: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) فإذا تجاوز لم يبق لهم مساوئ؛ فصاروا من أهل هذه الآية: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).

وقوله -أيضًا-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) وقالوا: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

أخبر أنهم (إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ): وقد ذكرنا فيما تقدم أنهم لأي معنى ظلموا أنفسهم، حيث لم يسلموا أنفسهم لله خالصين، والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، فإذا لم يسلموا له - وضعوا أنفسهم في غير موضعها، لذلك صاروا ظلمة أنفسهم.

(ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) أي: طلبوا لذنوبهم مغفرة، وأقروا أنه لا يغفر الذنوب إلا اللَّه.

(وَلَمْ يُصِرُّوا) على ذنوبهم، والإصرار: هو الدوام عليه، ثم أخبر أن جزاء هَؤُلَاءِ المغفرة من ربهم؛ (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا. . .)، إلى آخر ما ذكر.

دلّت هذه الآيات على تأييد قولنا: إن أهل المساوئ والفواحش إذا تابوا صاروا ممن أعدّت لهم الجنة، وإن لم يكونوا من المتقين من قبل، فمثله إذا تجاوز اللَّه عن سيئاتهم؛ وعفا عنهم بما هو عفو غفور، واللَّه أعلم.

قال الشيخ - رحمه اللَّه - في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ. . .) والآية:

يحتمل أن يكون الظلم غير الفاحشة.

ويحتمل أن يكون واحدًا في المراد؛ إذ قد يكون في المعنى أن كل عاص ظالم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015