تفسير القرطبي (صفحة 7288)

وَقَالَ جَرِيرٌ:

وَلَقَدْ رَمَيْنَكَ يَوْمَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ ... يَنْظُرْنَ مِنْ خِلَلِ السُّتُورِ سَوَاجِي

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سَجى غطى كل شي. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَجْو اللَّيْلِ: تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ، مِثْلَمَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: غَشِيَ بِظَلَامِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: إِذَا ذَهَبَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِذَا أَظْلَمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقْبَلَ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ أبي نجيح عن مجاهد: سَجى استوى. والقول الأول أشهر في اللغة: سَجى سَكَنَ، أَيْ سَكَنَ النَّاسُ فِيهِ. كَمَا يُقَالُ: نَهَارٌ صَائِمٌ، وَلَيْلٌ قَائِمٌ. وَقِيلَ: سُكُونُهُ اسْتِقْرَارُ ظلامه واستواؤه. ويقال: وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى: يَعْنِي عِبَادَهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ فِي وَقْتِ الضُّحَى، وَعِبَادَهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ بِاللَّيْلِ إِذَا أَظْلَمَ. وَيُقَالُ: الضُّحى: يَعْنِي نُورَ الْجَنَّةِ إِذَا تُنَوَّرُ. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى: يَعْنِي ظُلْمَةَ اللَّيْلِ إِذَا أَظْلَمَ. وَيُقَالُ: وَالضُّحى: يَعْنِي النُّورَ الَّذِي فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ كَهَيْئَةِ النهار. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى: يَعْنِي السَّوَادَ الَّذِي فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ كَهَيْئَةِ اللَّيْلِ، فَأَقْسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ. وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبْطَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَلَاهُ اللَّهُ وَوَدَّعَهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: احْتَبَسَ عَنْهُ الْوَحْيُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقِيلَ: خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ، وَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ مِنَ اللَّهِ لَتَابَعَ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ (?) فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي لَأَرْجُوُ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرُبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ جُنْدَبٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [هَلْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبُعٌ دميت،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015