تفسير القرطبي (صفحة 7270)

[سورة الشمس (91): آية 3]

وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (3)

أَيْ كَشَفَهَا. فَقَالَ قَوْمٌ: جَلَّى الظُّلْمَةَ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، كَمَا تَقُولُ: أَضْحَتْ بَارِدَةً، تُرِيدُ أَضْحَتْ غَدَاتُنَا بَارِدَةً. وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْكَلْبِيِّ وَغَيْرُهِمَا وَقَالَ قَوْمٌ: الضَّمِيرُ فِي جَلَّاها لِلشَّمْسِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِضَوْئِهِ جِرْمَهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ:

تَجَلَّتْ لَنَا كَالشَّمْسِ تَحْتَ غَمَامَةً ... بَدَا حَاجِبٌ مِنْهَا وَضَنَّتْ بِحَاجِبِ

وَقِيلَ: جَلَّى مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ حَيَوَانِهَا حَتَّى ظَهَرَ، لِاسْتِتَارِهِ لَيْلًا وَانْتِشَارِهِ نَهَارًا. وَقِيلَ: جَلَّى الدُّنْيَا. وَقِيلَ: جَلَّى الْأَرْضُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، ومثله قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «1» [ص: 32] على ما تقدم آنفا.

[سورة الشمس (91): آية 4]

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)

أَيْ يَغْشَى الشَّمْسَ، فَيَذْهَبُ بضوئها عند سقوطها، قال مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَغْشَى الدُّنْيَا بِالظُّلَمِ، فَتُظْلِمُ الآفاق. فالكناية ترجع إلى غير مذكور.

[سورة الشمس (91): آية 5]

وَالسَّماءِ وَما بَناها (5)

أَيْ وَبُنْيَانِهَا. فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، كما قال: بِما غَفَرَ لِي رَبِّي «2» [يس: 27] أَيْ بِغُفْرَانِ رَبِّي، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّدُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَنْ بَنَاهَا، قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. أَيْ وَمَنْ خَلَقَهَا وَرَفَعَهَا، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحُكِيَ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: سُبْحَانَ مَا سَبَّحْتُ لَهُ، أَيْ سُبْحَانَ مَنْ سبحت له.

[سورة الشمس (91): آية 6]

وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6)

أَيْ وَطَحْوِهَا. وَقِيلَ: وَمَنْ طَحَاهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. أَيْ بَسَطَهَا، كَذَا قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ، مِثْلَ دَحَاهَا. قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: طَحَاهَا وَدَحَاهَا: وَاحِدٌ، أَيْ بسطها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015