تفسير القرطبي (صفحة 7033)

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الْعُبُوسَ بِالشَّفَتَيْنِ، وَالْقَمْطَرِيرَ بِالْجَبْهَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ، فَجَعَلَهَا مِنْ صِفَاتِ الْوَجْهِ الْمُتَغَيِّرِ مِنْ شَدَائِدِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:

يَغْدُو عَلَى الصَّيْدِ يَعُودُ مُنْكَسِرْ ... وَيَقْمَطِرُّ سَاعَةً وَيَكْفَهِرُّ

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ رَجُلٌ قَمْطَرِيرٌ أَيْ مُتَقَبِّضٌ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ اقْمَطَرَّتِ النَّاقَةُ: إِذَا رَفَعَتْ ذَنَبَهَا وَجَمَعَتْ قُطْرَيْهَا، وَزَمَّتْ بِأَنْفِهَا، فَاشْتَقَّهُ مِنَ الْقُطْرِ، وَجَعَلَ الْمِيمَ مَزِيدَةً. قَالَ أَسَدُ بْنُ نَاعِصَةَ:

وَاصْطَلَيْتُ الْحُرُوبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ... بَاسِلِ الشَّرِ قَمْطَرِيرِ الصَّبَاحِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ أَيْ دَفَعَ عَنْهُمْ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ أَيْ بَأْسَهُ وَشِدَّتَهُ وَعَذَابَهُ وَلَقَّاهُمْ أَيْ أَتَاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ حِينَ لَقَوْهُ أَيْ رَأَوْهُ نَضْرَةً أَيْ حُسْنًا وَسُرُوراً أَيْ حُبُورًا. قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدُ: نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ وَسُرُوراً فِي قُلُوبِهِمْ. وَفِي النَّضْرَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا الْبَيَاضُ وَالنَّقَاءُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. الثَّانِي الْحُسْنُ وَالْبَهَاءُ، قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثَّالِثُ أَنَّهَا أَثَرُ النعمة، قاله ابن زيد.

[سورة الإنسان (76): الآيات 12 الى 14]

وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (14)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) عَلَى الْفَقْرِ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: عَلَى الصَّوْمِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: عَلَى الْجُوعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ النَّذْرِ. وَقِيلَ: بِصَبْرِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَبْرِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ الله ومحارمه. وبِما: مَصْدَرِيَّةٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْأَبْرَارِ وَمَنْ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا. وَرَوَى «1» ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الصَّبْرِ فَقَالَ: (الصَّبْرُ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، وَالصَّبْرُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالصَّبْرُ عَلَى اجْتِنَابِ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ (. (جَنَّةً وَحَرِيراً) أَيْ أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير. أي يسمى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015