تفسير القرطبي (صفحة 7032)

يُخَلَّدُونَ فِي السُّجُونِ فَيَبْقَوْنَ بِلَا حِيلَةٍ، فَيَكْتُبُونَ أَحَادِيثَ فِي السَّمَرِ وَأَشْبَاهِهِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُفْتَعَلَةٌ، فَإِذَا صَارَتْ إِلَى الْجَهَابِذَةِ رَمَوْا بِهَا وزيفوها، وما من شي إِلَّا لَهُ آفَةٌ وَمَكِيدَةٌ، وَآفَةُ الدِّينِ وَكَيْدُهُ أكثر.

[سورة الإنسان (76): الآيات 10 الى 11]

إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) عَبُوساً مِنْ صِفَةِ الْيَوْمَ، أَيْ يَوْمًا تَعْبِسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنْ هَوْلِهِ وَشِدَّتِهِ، فَالْمَعْنَى نَخَافُ يَوْمًا ذَا عُبُوسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْبِسُ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ عَرَقٌ كَالْقَطِرَانِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْعَبُوسُ: الضَّيِّقُ، وَالْقَمْطَرِيرُ: الطَّوِيلُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

شَدِيدًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرَا

وَقِيلَ: الْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَقُمَاطِرٌ وَعَصِيبٌ بِمَعْنًى، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

بَنِي عَمِّنَا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلَاءَنَا ... عَلَيْكُمْ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ قُمَاطِرُ

بِضَمِّ الْقَافِ. وَاقْمَطَرَّ إِذَا اشْتَدَّ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْقَمْطَرِيرُ: أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَيَّامِ وَأَطْوَلُهُ فِي الْبَلَاءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَفَرُّوا إِذَا مَا الْحَرْبُ ثَارَ غُبَارُهَا ... وَلَجَّ بِهَا الْيَوْمُ الْعَبُوسُ الْقُمَاطِرُ

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ اقْمَطَرَّ الْيَوْمُ وَازْمَهَرَّ اقْمِطْرَارًا وَازْمِهْرَارًا، وَهُوَ الْقَمْطَرِيرُ وَالزَّمْهَرِيرُ، وَيَوْمٌ مُقْمَطِرٌّ إِذَا كَانَ صَعْبًا شَدِيدًا، قَالَ الْهُذَلِيُّ «1»:

بَنُو الْحَرْبِ أُرْضِعْنَا لَهُمْ مُقْمَطِرَّةٌ ... ومن يلق منا ذلك اليوم يهرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015