تفسير القرطبي (صفحة 6975)

وَقَالَ آخَرُ:

وَتَعْجَبُ هِنْدٌ أَنْ رَأَتْنِي شَاحِبًا ... تَقُولُ لِشَيْءٍ لَوَّحَتْهُ السَّمَائِمُ «1»

وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:

لَوَّحَ مِنْهُ بَعْدَ بُدْنٍ وَسَنَقْ ... تَلْوِيحَكَ الضَّامِرَ يُطْوَى لِلسَّبَقْ «2»

وَقِيلَ: إِنَّ اللَّوْحَ شِدَّةُ الْعَطَشِ، يُقَالُ: لَاحَهُ الْعَطَشُ وَلَوَّحَهُ أَيْ غَيَّرَهُ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُعَطِّشَةٌ لِلْبَشَرِ أَيْ لِأَهْلِهَا، قَالَهُ الْأَخْفَشُ، وَأَنْشَدَ:

سَقَتْنِي عَلَى لَوْحٍ مِنَ الْمَاءِ شَرْبَةً ... سَقَاهَا بِهَا اللَّهُ الرِّهَامَ الْغَوَادِيَا

يَعْنِي بِاللَّوْحِ شِدَّةَ الْعَطَشِ، وَالْتَاحَ أَيْ عَطِشَ، وَالرِّهَامُ جمع رهمة بالكسر وهي المطرة الضعيفة وَأَرْهَمَتِ السَّحَابَةُ أَتَتْ بِالرِّهَامِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوَّاحَةٌ أَيْ تَلُوحُ لِلْبَشَرِ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ. الْحَسَنُ وَابْنُ كَيْسَانَ: تَلُوحُ لَهُمْ جَهَنَّمُ حَتَّى يَرَوْهَا عِيَانًا. نَظِيرُهُ: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ [الشعراء: 91] وَفِي الْبَشَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ الْإِنْسُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ وَالْأَكْثَرُونَ. الثَّانِي- أَنَّهُ جَمْعُ بَشَرَةٍ، وَهِيَ جَلْدَةُ الْإِنْسَانِ الظَّاهِرَةُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَجَمْعُ الْبَشَرِ أَبْشَارٌ، وَهَذَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ إِلَّا النَّاسُ لَا الْجُلُودُ، لِأَنَّهُ مِنْ لَاحَ الشَّيْءُ يَلُوحُ، إِذَا لَمَعَ.

[سورة المدثر (74): الآيات 30 الى 31]

عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015